فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقيل: فسل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلاّ الذي في اليمامة يعنون مسيلمة، وكان يقال له رحمن اليمامة. انتهى.
{وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} وكانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله غالطت قريش بذلك فقالت: إن محمدًا يأمرنا بعبادة رحمن اليمامة نزلت {وإذا قيل لهم} و{ما} سؤال عن المجهول، فيجوز أن يكون سؤالًا عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم، ويجوز أن يكون سؤالًا عن معناه لأنه لم يكن مستعملًا في كلامهم كما يستعمل الرحيم والرحوم والراحم، أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله قاله الزمخشري.
والذي يظهر أنهم لما قيل لهم {اسجدوا للرحمن} فذكرت الصفة المقتضية للمبالغة في الرحمة والكلمة عربية لا ينكر وضعها، أظهروا التجاهل بهذه الصفة التي لله مغالطة منهم ووقاحة فقالوا: {وما الرحمن} وهم عارفون به وبصفته الرحمانية، وهذا كما قال فروعون.
{وما رب العالمين} حين قال له موسى: {إني رسول من رب العالمين} على سبيل المناكرة وهو عالم برب العالمين.
كما قال موسى {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلاّ رب السموات والأرض بصائر} فكذلك كفار قريش استفهموا عن {الرحمن} استفهام من يجهله وهم عالمون به، فعلى قول من قال: لم يكونوا يعرفون {الرحمن} إلاّ مسيلمة وعلى قول من قال: من لا يعرفون الرحمن إلاّ مسيلمة.
فالمعنى أنسجد لمسيلمة وعلى قول من قال: لا يعرفون {الرحمن} بالكلية فالمعنى {أنسجد لما تأمرنا} من غير علم ببيانه.
والقائل {اسجدوا} الرسول أو الله على لسان رسوله.
وقرأ ابن مسعود والأسود بن يزيد وحمزة والكسائي يأمر بالياء من تحت أي يأمرنا محمد، والكناية عنه أو المسمى {الرحمن} ولا نعرفه.
وقرأ باقي السبعة بالتاء خطابًا للرسول.
ومفعول {تأمرنا} الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره يأمرنا سجوده نحو قولهم: أمرتك الخير.
{وزادهم} أي هذا القول وهو الأمر بالسجود للرحمن ضلالًا يختص به مع ضلالهم السابق، وكان حقه أن يكون باعثًا على فعلي السجود والقبول.
وقال الضحاك: سجد أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعثمان بن مظعون وعمرو ابن غلسة، فرآهم المشركون فأخذوا في ناحية المسجد يستهزئون، فهذا المراد بقوله: {وزادهم نفورًا} ومعنى {نفورًا} فرارًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا}.
للمؤمنين {وَنَذِيرًا} للكافرين {قُلْ} لهم {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على تبليغِ الرَّسالةِ الذي ينبىءُ عنه الإرسالُ {مِنْ أَجْرٍ} من جهتكم {إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ سَبِيلًا} أي إلاَّ فعلَ من يُريد أنْ يتقرَّبَ إليه تعالى ويطلبَ الزُّلْفى عندَه بالإيمانِ والطَّاعةِ حسبَما أدعُوهم إليهما فصوَّرَ ذلك بصورةِ الأجرِ من حيثُ إنَّه مقصودُ الإتيانِ به واستثنى منه قلعًا كلَّيًا لشائبةِ الطَّمعِ وإظهارًا لغاية الشَّفقةِ عليهم حيثُ جعلَ ذلك مع كونِ نفعِه عائدًا إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل الاستثناءُ منقطعٌ أي لكن منَ شاء أنْ يتَّخذَ إلى ربَّه سبيلًا فليفعلْ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذي لاَ يَمُوتُ} في الاستكفاءِ عن شرورِهم والإغناءِ عن أجورِهم فإنَّه الحقيقُ بأنْ يُتوكَّل عليه دون الأحياء الذين من شأنِهم الموتُ فإنَّهم إذا ماتُوا ضاعَ مَن توكَّل عليهم. {وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ} ونزَّهه عن صفاتِ النُّقصانِ مُثنيًا عليه بنعوتِ الكمالِ طالبًا لمزيدِ الإنعامِ بالشُّكرِ على سوابغِه {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ} ما ظهرَ منها وما بطنَ {خَبِيرًا} أي مُطَّلِعًا عليها بحيثُ لا يخفى عليه شيءٌ منها فيجزيهم جزاءً وفيَّا.
{الذى خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد سلفَ تفسيرُه. ومحلُّ الموصولِ الجرُّ على أنَّه صفة أُخرى للحيِّ وصف بالصِّفةِ الفعلية بعد وصفهِ بالأبديَّةِ التي هي من الصَّفاتِ الذَّاتيةِ، والإشارةُ إلى اتَّصافه بالعلمِ الشَّاملِ لتقريرِ وجوبِ التَّوكلِ عليه تعالى وتأكيده فإنَّ من أنشأَ هذه الأجرامَ العظامَ على هذا النمطِ الفائقِ والنَّسقِ الرَّائقِ بتدبيرٍ متينٍ وترتيبٍ رصينٍ في أوقاتٍ معيَّنة مع كمال قُدرتِه على إبداعها دفعةً لحكمِ جليلةٍ وغاياتٍ جميلةٍ لا تقف على تفاصيلِها العقولُ أحقُّ مَن يُتوكَّل عليه وأَولى من يُفوَّضُ الأمرُ إليه {الرحمن} مرفوعٌ على المدحِ أي هو الرحمنُ وهو في الحقيقةِ وصفٌ آخرُ للحيِّ كما قُرىء بالجرِّ مفيد لزيادة تأكيد ما ذُكر من وجوب التَّوكلِ عليه تعالى وإنْ لم يتبْعه في الإعرابِ لما تقرَّر من أنَّ المنصوبَ والمرفوعَ مَدحًا وإنْ خرجَا عن التَّبعيةِ لما قبلهما صورةً حيثُ لم يتبعاهُ في الإعرابِ وبذلك سُمِّيا قطعًا لكنَّهما تابعانِ له حقيقةً، أَلاَ يُرى كيفَ التزمُوا حذفَ الفعلِ والمبتدأ في النَّصبِ والرَّفعِ رَوْمًا لتصوير كلَ منهما بصورةِ متعلَّق من متعلَّقات ما قبلَه وتنبيهًا على شدَّةِ الاتِّصالِ بينهما وقد مرَّ تمامُ التَّحقيق في تفسير قولِه عزَّ وجلَّ: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} الآيةَ وقيل: الموصولُ مبتدأٌ والرَّحمنُ خبرُه وقيل: الرَّحمنُ بدلٌ من المستكنِّ في استوى {فَاسْأَلْ بِهِ} أي بتفاصيلِ ما ذُكر إجمالًا من الخَلْقِ والاستواءِ لا بنفسِهما فقط إذْ بعد بيانِهما لا يبقى إلى السُّؤالِ حاجةٌ ولا في تعديتهِ بالباءِ فائدةٌ فإنَّها مبنيَّةٌ على تضمينهِ معنى الاعتناءِ المستدعِي لكون المسئول أمرًا خطيرًا مهتمًّا بشأنِه غيرَ حاصلٍ للسَّائلِ. وظاهرٌ أنَّ نفسَ الخلقِ والاستواءِ بعد الذِّكرِ ليس كذلكَ. وما قيل من أنَّ التَّقديرَ: إنْ شككتَ فيه فاسألْ به خَبيرًا على أنَّ الخطابَ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمرادَ غيرُه بمعزلٍ من السَّدادِ، بل التَّقديرُ: إنْ شئتَ تحقيقَ ما ذُكر أو تفصيلَ ما ذُكر فاسألْ معنيًّا بهِ {خَبِيرًا} عظيمَ الشَّأنِ محيطًا بظواهرِ الأمورِ وبواطِنها وهو الله سبحانَه يُطلعك على جليَّةِ الأمرِ. وقيل: فاسألْ به مَن وجدَهُ في الكتبِ المتقدِّمةِ ليصدُقكَ فيه فلا حاجةَ حينئذٍ إلى ما ذَكرنا. وقيل: الضَّميرُ للرَّحمنِ، والمعنى إنْ أنكرُوا إطلاقَه على الله تعالى فاسألْ عنه مَن يُخبرك من أهلِ الكتابِ ليعرفُوا مجىءَ ما يُرادفه في كتبِهم، وعلى هَذا يجوزُ أنْ يكونَ الرَّحمنُ مُبتدًا وما بعدَهُ خَبَرًا. وقرئ فَسَلْ.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن}.
قالُوه لما أنَّهم ما كانُوا يُطلقونَهُ على الله تعالى، أو لأنَّهم ظنُّوا أنَّ المرادَ به غيرُه تعالى ولذلك قالُوا {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} أي للذي تأمرُنا بسجودِه أو لأمرِك إيَّانا من غيرِ أنْ نعرفَ أنَّ المسجودَ ماذا. وقيل: لأنَّه كانَ مُعرَّبًا لم يسمعُوه. وقرئ يأْمُرنا بياءِ الغَيبةِ على أنَّه قولُ بعضِهم لبعضٍ {وَزَادَهُمْ} أي الأمرُ بسجودِ الرَّحمنِ {نُفُورًا} عن الإيمانِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا أرسلناك} في حال من الأحوال {إِلا} حال كونك {مُبَشّرًا} للمؤمنين {وَنَذِيرًا} أي ومنذرًا مبالغًا في الإنذار للكافرين، ولتخصيص الأنذار بهم وكون الكلام فيهم والاشعار بغاية إصرارهم على ما هم فيه من الضلال اقتصر على صيغة المبالغة فيه، وقيل: المبالغة باعتبار كثرة المنذرين فإن الكفرة في كل وقت أكثر من المؤمنين.
وبعضهم اعتبر كثرتهم بإدخال العصاة من المؤمنين فيهم أي ونذيرًا للعاصين مؤمنين كانوا أو كافرين والمقام يقتضي التخصيص بالكافرين كما لا يخفى، والمراد ما أرسلناك إلا مبشرًا للمؤمنين ونذيرًا للكافرين فلا تحزن على عدم إيمانهم.
{قُلْ} لهم دافعًا عن نفسك تهمة الانتفاع بإيمانهم {مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على تبليغ الرسالة الذي ينبىء عنه الإرسال أو على المذكور من التبشير والإنذار، وقيل: على القرآن {مِنْ أَجْرٍ} أي أجر ما من جهتكم {إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ} أي إلى رحمته ورضوانه {سَبِيلًا} أي طريقًا، والاستثناء عند الجمهور منقطع أي لكن ما شاء أن يتخذ إلى ربه سبحانه سبيلًا أي بالانفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفقة في سبيل الله تعالى ليناسب الاستدراك فليفعل، وذهب البعض إلى أنه متصل، وفي الكلام مضاف مقدر أي الأفعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلًا بالايمان والطاعة حسبما أدعو إليهما، وهو مبني على الادعاء وتصوير ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الإتيان به، وهذا كالاستثناء في قوله:
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم ** يعاب بنسيان الأحبة والوطن

وفي ذلك قلع كلي لشائبة الطمع وإظهار لغاية الشفقة عليهم حيث جعل ذلك مع كونه نفعه عائدًا إليهم عائدًا إليه صلى الله عليه وسلم، وقيل: المعنى ما أسألكم عليه أجرًا إلا أجر من آمن أي إلا الأجر الحاصل لي من إيمانه فإن الدال على الخير كفاعله وحينئذ لا يحتاج إلى الادعاء والتصوير السابق، والأولى ما فيه قلع شائبة الطمع بالكلية.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذي لاَ يَمُوتُ}.
في الإغناء عن أجورهم والاستكفاء عن شرورهم، وكأن العدول عن وتوكل على الله إلى ما في النظم الجليل ليفيد بفحواه أو بترتب الحكم فيه على وصف مناسب عدم صحة التوكل على غير المتصف بما ذكر من الحياة والبقاء، أما عدم صحة التوكل على من لم يتصف بالحياة كالأصنام فظاهر وأما عدم صحته على من لم يتصف بالبقاء بأن كان ممن يموت فلأنه عاجز ضعيف فالمتوكل عليه أشبه شيء بضعيف عاد بقرملة، وقيل: لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن أبي ثبيت قال: مكتوب في التوراة لا توكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام، ولكن توكل على الحي الذي لا يموت.
وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق {وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ} أي ونزهه سبحانه ملتبسًا بالثناء عليه تعالى بصفات الكمال طالبًا لمزيد الأنعام بالشكر على سوابقه عز وجل فالباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال، وقدم التنزيه لأنه تخلية وهي أهم من التحلية، وفي الحديث: «من قال سبحان الله وبحمد غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر» {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ} ما ظهر منها وما بطن كما يؤذن به الجمع المضاف فإنه من صيغ العموم أو قوله تعالى: {خَبِيرًا} لأن الخبرة معرفة بواطن الأمور كما ذكره الراغب ومن علم البواطن علم الظواهر بالطريق الأولى فيدل على ذلك مطابقة والتزامًا.
والظاهر أن {بِذُنُوبِ} متعلق بخبيرًا وهو حال أو تمييز.
وباء {بِهِ} زائدة في فاعل {كفى}، وجوز أن يكون {بِذُنُوبِ} صلة كفى، والجملة مسوقة لتسليته صلى الله عليه وسلم ووعيد الكفار أي أنه عز وجل مطلع على ذنوب عباده بحيث لا يخفى عليه شيء منها فيجازيهم عليها ولا عليك إن آمنوا أو كفروا.
{الذى خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد سلف تفسيره.
ومحل الموصول الجر على أنه صفة أخرى للحي، ووصف سبحانه بالصفة الفعلية بعد وصفه جل وعلا بالأبدية التي هي من الصفات الذاتية والإشارة إلى اتصافه تعالى بالعلم الشامل لتقرير وجوب التوكل عليه جل جلاله وتأكيده فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين وترتيب رصين في أوقات معينة مع كمال قدرته سبحانه على إبداعها دفعة بحكم جليلة وغايات جميلة لا تقف على تفاصيلها العقول أحق من يتوكل عليه وأولى من يفوض الأمر إليه.
وقوله تعالى: {الرحمن} مرفوع على المدح أي هو الرحمن وهو في الحقيقة وصف آخر للحي كما في قراءة زيد بن عبد الرحمن بالجر مفيد لزيادة تأكيد ما ذكر من وجوب التوكل عليه جل شأنه وإن لم يتبعه في الأعراب لما تقرر من أن المنصوب والمرفوع مدحًا وإن خرجا عن التبعية لما قبلهما صورة حيث لم يتبعاه في الأعراب وبذلك سميا قطعًا لكنهما تابعان له حقيقة، ألا ترى كيف التزموا حذف الفعل والمبتدأ روما لتصوير كل منهما بصورة متعلق من متعلقات ما قبله وتنبيًا على شدة الاتصال بينهما وإنما قطعوا للافتنان الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجد في الإصغار.